[size=25]أساليب التواصل من خلال سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
♣ مقدمة :
في ظل الحياة المتغيرة التي يعيشها اليوم كل بني الإنسان, ومع سيطرة قيم المادة والنزعة الفردية على كل ما هو قيمي وأخلاقي ، تزداد في عالمنا المعاصر مساحات تجاهل الآخر أو الاهتمام بشؤونه أو محاولة معرفته على الأقل كما هو. سواء تعلق الأمر بحال الأفراد أو الجماعات.
ونظرا لأهمية التواصل في حياتنا كبشر وحاجتنا الشديدة إليه ؛ سأحاول أن أعرض في المقال التالي صورة بديعة للتواصل مع الغير مثلها خير خلق الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
لعلها تكون الصورة النموذج لكل مسلم,بل لكل إنسان , ليحقق معاني قوله تعالى: { يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير }(1 )
أ־ مفهوم التواصل׃
التواصل في معاجم اللغة ( 2 ) :يفيد معنى الالتئام والارتباط والاجتماع والإعلام والمخاطبة .
فهو عبارة عن : علاقة تفاعل بين شخصين أو أكثر بوسائل مختلفة (كاللغة أو الرموز أو الأصوات)
وتتوخى أهدافا واضحة كما أشار إلى ذلك شارل كولي ( 3 )» هو الميكانيزم-أو الآلية- الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور.«
إذن فنجاح أي علاقة إنسانية ذات طابع معرفي أو اجتماعي أو سيكولوجي يحتاج إلى حسن تواصل.
ب- علاقة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتواصل وأبعاده:
كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بشراً رسولاً يحمل على عاتقه مهمة تبليغ رسالة ربه إلى الناس كافة فكان لا يألو جهدا في مخاطبة أهله وقومه وسائر قبائل ا لعرب , بل امتدت دعوته لتشمل ملوك فارس والروم وغيرهم من الأمم. تطبيقا لأمر الله تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} (4)
لذلك نجد سيرته - صلى الله عليه وسلم - غنية بصور تواصله مع غيره من الناس , ويبرز فيها الطابع المميز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أدبه وحكمته في الحديث , أو المجادلة لاقامة الحجة , أو معاملته لأصحابه وعامة المسلمين.
لذلك نعرض لصور من هديه صلى الله عليه وسلم في تواصله مع الغير من خلال النماذج التالية:
1- أساليب تواصل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الغير׃
استطاع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والذي كان خلقه القرآن ( 5 ) أن يصل إلى قلوب جميع الناس ويحصل على محبتهم وإعجابهم كبشر رسول ؛ وهذا لما تميز به من أخلاق وصفات عظيمة جعلته قدوة للتأسي.
ويمكن من خلال استقراء نماذج من سيرته صلى الله عليه وسلم أن نحدد بعض الأساليب المهمة التي اعتمد عليها في تواصله الناجح مع كل أفراد المجتمع.
♠- أسلوبه صلى الله عليه وسلم في مخاطبة الغير أو الحديث معه׃
يروي المحدثون وأهل السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام ,
ويتبسم في وجهه, ويتكلم بكلام بين واضح, وربما أعاد الكلام أكثر من مرة ليفهم المخاطب مقصوده.
فقد جاء عن هند بن أبي هالة : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقي أحدا إلا وبدأه بالسلام "( 6 ) ، وعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: " ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم " (7 )، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " ما كان رسول الله يسرد كسردكم هذا , ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه"( ، ويروي أنس رضي الله عنه فيقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا
لتعقل عنه " *..
هذا بشأن مخاطبته لعامة المسلمين .
أما مخاطبته لعامة مخالفيه فقد تميزت :
بحسن الاستماع, ومقابلة الحجة بالحجة, وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة.
وفي قصة عتبة بن ربيعة المشرك الذي جاء ليغري رسول الله بعروض مغرية ليترك الدعوة إلى الله فاخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يستمع إليه ولا يقاطعه حتى إذا فرغ الرجل قال ׃أفرغت يا أبا الوليد ؟قال :بلى.فقرأ عليه طرفا من سورة فصلت ثم قال له ׃قد سمعت ياأبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك(9 ).
وكان المشركون بمكة يطرحون عليه رحم الشاة وهو يصلي.فكان يحمله على العود ويقف على بابه ويقول ׃ يا بني عبد مناف أي جوار هذا ثم يلقيه في الطريق(10).
♠ اهتمامه صلى الله عليه وسلم باللعب والممازحة والمداعبة كأسلوب للتواصل أحيانا مع النساء والأطفال :
فقد جاء في السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث بنات الأنصار يلعبن مع زوجه عائشة رضي الله عن الجميع .
وكان يمكنها من اللعب ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده .
وسابقها في السفر على الأقدام مرتين.
وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة(11) .
وعن أنس رضي الله عنه قال: إن كان رسول الله ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير : " يا أبا عمير ما فعل النغير" (12) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله ! إنك تداعبنا ! قال :" نعم غير أني لا أقول إلا حقا" (13).
وجاء كذلك عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل يسوق بأمهات المؤمنين فاشتد في السياقة !فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:" يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير "(14).
♠ إبراز النبي صلى الله عليه وسلم لمزايا الرفق والرحمة والتواضع الشديد مع لين الجانب في تواصله مع الناس :
إذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد غدا عند أصحابه وأتباعه أحب إليهم من
أنفسهم وأهليهم فإن مرد ذلك إلى إيمانهم الصادق بنبوته . ورحمته ورفقه الشديد بهم .وتواضعه لهم كما تروي ذلك أحداث السيرة الشهيرة فعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ذات ليلة في حجرته فجاء أناس فصلوا بصلاته.فخفف فدخل البيت ثم خرج فعاد مرارا كل ذلك يصلي فلما أصبح قالوا :يا رسول الله !صليت ونحن نحب أن تمد في صلاتك .قال :" قد علمت بمكانكم وعمدا فعلت ذلك " 15 ، وعن أنس رضي الله عنه أيضا:أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له:إن لي إليك حاجة. فقال :"اجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس إليك!"16.
وقال أنس رضي الله عنه : "...خدمت رسول الله في السفر والحضر والله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه لم
لم تصنع هذا هكذا ؟ !" 17،
ويروي أنس رضي الله عنه كذلك قال:لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته ذلك! 18.
إن سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم غنية بصور التواصل الإيجابي والنموذجي والذي يحقق ذلك التفاعل النفسي والفكري بين الأفراد لينجحوا في تحقيق التعارف والتعاون والذي هو مراد الله تعالى من اختلاف الأقوام والشعوب على وجه الأرض, وينهضوا بمهمة العبودية التامة لله بنشر الخير والفضيلة.
قال تعالى׃{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرو } سورة الأنفال – الآية24 – .
[/size